Thursday, January 19, 2017

لحظات إنسانية وبركانية


عندما تحتبس الأنفاس، 
عندما تختنق الحناجر، 
عندما نُخفي وجوهنا حتى لا يرى ضعفنا أحد، 
عندما نمتنع عن الكلام حتى لا يدرك من حولنا أن كلماتنا تبعثرت واختنقت بالبكاء رغم أن العين لم تدمع،
عندما يسري الحزن منا مسرى الدم في الشرايين، 
عندما تجتمع علينا أحزان العمر قاطبة لتغشانا من فوقنا ومن تحتنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونغرق ونحن نحاول مصارعة أمواجها العاتية المندفعة نحونا بقوة وقسوة،
في تلك اللحظة التي نفقد فيها الإحساس بكل من وما حولنا ونرتمي في أحضان الوحدة لتعتصر منّا ما تبقى من حياة وأحلامٍ وردية،
في تلك اللحظة نبحث، عن ذلك الإنسان الذي طالما شكونا إليه بثنا وحزننا وشجوننا لنشعربالسكينة والطمأنينة ونحن نرتمي على صدره، ربما لا يمنحنا سوى الإنصات، ربما يضيف إلى إنصاته ربتة على كتف أو لمسة حانية على الرأس، وربما يتفضل علينا بضمة إلى صدره، لكننا نُـفرِغ ما بنا من حُمم بركانية للنفس المتوهجة الملتهبة، لنخرج بعدها ونحن في حالة من السكينة والاطمئنان.
ربما يلجأ المؤمنون منا إلى الله، ينظرون إلى السماء وأعينهم تفيض من الحزن وقولبهم تنخلع من صدورهم لتصعد إلى السماء ترجوا ربها أن يمنحها السكينة.
لو اطلقنا على حالنا ذلك "ضعف" ، وجب علينا ان نعترف بالضعف لكل البشرية ولا نخجل منه، ولو أسمينا تلك الحالة "اكتئاب" وجب علينا ان نعترف أن الاكتئاب ليس مرض نفسي ولكنه ظاهرة إنسانية طبيعية وعامة.  إذًا، ماذا نسمي تلك الحالة بعيدا عن مصطلحات علم النفس والتحليلات النفسية؟
لكي نفهم النفس البشرية التي خُلقت من الطين وسينتهى بها المآل إلى الطين، لابد لنا أن نفهم الأرض التي خُلقنا منها ، ليس من حيث منظورها الخارجي بقدر ما نحتاج أن نفهم ما يجري في أعماقها حتى نفهم ما يحدث في أعماقنا.
فمهما كان الحال على السطح هادءًا وجميلا ويبعث في النفس الإحساس بالجمال والراحة، هناك أنهار من الماء تجري وتتدفق من تحت هذا السطح، ومن أسفل تلك الأنهار هناك أنهار من المعادن المنصهرة الملتهبة تتدفق كما تتدفق الأنهار على السطح، ورغم وصولها إلى درجات الغليان وتجاوزها لتلك الدرجات إلا أن لها مسارات تتحرك في إطارها وكأنها جداول ماء.  لكن عندما تقترب تلك الحمم من نقطة ضعيفة من القشرة الأرضية تنفذ من خلالها، ويكون التدفق في البداية ضعيفًا وقليلًا، ثم لا يلبث أن تزداد قوته ويندفع بكميات كبيرة ويستمر في التغلب على نقاط الضعف التي يقابلها حتى يصل إلى سطح الأرض، فتثور ثائرة بركانية، وتخرج تلك الحمم من باطن الأرض وتتطاير في الفضاء وتتبعثر وتنتشر على الأرض حول نقطة خروجها، وبقدر الضرر الذي تلحقه بمن وما حولها إلا أنها بعد سنوات تُحيل الأرض إلى أرضٍ خصبةٍ تنمو النباتات عليها لتعطي أفضل الثمار.
وهذا هو حال الإنسان، تراه من الخارج في سكون وهدوء، بينما تعتلج نفسه بالحمم النفسية التي تبحث عن نقطة ضعف لتنفذ من خلالها إلى السطح، ورغم أننا نكون في حزن لحظة خروجها، إلا أن خروجها يفيدنا كثيرا فيما بعد ويزيد من خصوبة نفسيتنا وقدرتنا على الإبداع والانتاج.  
     

No comments:

Post a Comment